امتداد مجال الإصلاح
ناتالي سارثو لاجوس
ترجمة الحسن مصباح
بين ويلات الحرب في أوكرانيا، والدمار المرتبط بتغير المناخ، إلى الانهيار الأخلاقي الناجم عن الكشف عن الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها القساوسة والرهبان، يتساءل المرء كيف سنصلح هذا الكم الهائل من الدمار، وما إذا كان استخدام مصطلح إصلاح [réparation][1] مناسب. تمتد مفردة إصلاح/تصليح الميكانيكية في المقام الأول، الآن إلى الطب والعدالة والبيئة. نحن لا نقوم بإصلاح الأشياء فقط، ولكن أيضا المؤسسات والعلاقات ونسيج الحياة بأكمله الذي يتمزق من حولنا، مع ما يلحق ذلك من أضرار مادية ومعنوية وثقافية. وهذا الامتداد لمجال الإصلاح مثير للاهتمام لأنه يشير إلى تغيير في علاقتنا بالعالم: أكثر تواضعًا، لأنه يخضع لتجربة الهشاشة والفقدان، ولكنه قادر على المبادرات المعدلة والمزيد من الاهتمام/الاعتبار.
الإصلاح المطبق ضمن المجال الطبي لا يستعيد بشكل مماثل ما تضرر، لأننا لا نصلح كائنًا حيًا كما نقوم بإصلاح آلة، لكن الإصلاح يعطي بالمقابل شكلًا جديدًا من الحياة للأنفس المصابة. وفي هذا الصدد، فإن فكرة الصدمة، للأشخاص الذين يقعون ضحايا الصدمات النفسية من الحرب أو الأعمال الإرهابية أو العنف الخطير، جعلتنا ندرك فكرة الضرر الجسدي والنفسي الذي ينطوي على خسائر لا يمكن تعويضها، دون أن يمنع ظهور توازن جديد. لقد غيّر هذا معنى فعل العلاج الذي، دون استعادة الصحة الجسدية والنفسية الأولية، يسمح بإعادة بناء الحياة بأشكال جديدة. من وجهة نظر طبية، لا يعني الإصلاح المبالغة في العلاج الطبي أو الحفاظ على الحياة من خلال العلاج السريري، بل يعني تعزيز مرونة واستقلالية الكائن الحي. إن الدرس المستفاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية من الطبيب وفيلسوف العلوم “جورج كانغيلام” [Georges Canguilhem] (1904-1995)، هو درس مضيء: “الشفاء يتماشى دائمًا مع الخسائر الأساسية للكائن الحي، وفي الوقت نفسه، ظهور “نظام جديد”[2]
يمكن قول الشيء نفسه عن حكم محكمة. هناك خسائر وأوجه قصور لن يتم تعويضها، لكن الجبر القضائي[3] يسمح بإمكانية بروز وضع جديد. إن الجبر ليس أكثر من تعويضات مالية غالبًا ما تبدو سخيفة لأنها لا تُرجِع بالمعنى الدقيق للكلمة ما تم أخذه، فهي لا تستعيد ما تم فقده: كيف يمكننا تقييم الخسارة، وكيف يتم إصلاح جريمة أو طفولة مجروحة تستمر معاناتها حتى سن الرشد؟ دائمًا ما يصطدم الهدف الإصلاحي للعدالة بطبيعة المعاناة التي لا يمكن تثمينها ماديا. ولكن من المفارقات أن الاعتراف بوجود شيء لا يمكن إصلاحه يساهم أيضًا في عمل الجبر ويقترن بتهدئة العلاقات.
من الناحية البيئية، يعاني كوكبنا من أعطال عميقة لدرجة أن العلماء يتحدثون عن انقراض هائل للأنواع الحية مما يضعف النظام البيئي بأكمله. إن العامل الرئيسي في إضعاف الحياة هو تدمير البيئات المعيشية من خلال التحضر والتنمية والتلوث. هل ما زالت فكرة الإصلاح تحمل معنى ينطبق على النظام البيئي؟ إن تعقيد الكائنات الحية يجعل قدرتها على المرونة وإصلاح الذات غير قابلة للتوقع. يصر الفيلسوف “باتيست موريزو” [Baptiste Morizot][4] على قوة التجدد الذاتي للحي من خلال عكس كليشيهات الطبيعة الهشة التي يجب حمايتها وإصلاحها. على الرغم من الخسائر التي لا يمكن تعويضها، فإن الكائنات الحية تتجدد. وهذا هو مصدر الأمل. لإيقاف عملية التدمير، يتوخى “موريزو” الحفاظ على مجالات معينة خارج التدخل البشري، من أجل السماح لهاته الكائنات الحية بتطوير عمليات التجديد المستقلة إلى حد محو دورنا الإصلاحي: “نحن لا نجدد الكائن الحي، بل نفعِّل قدراته المستقلة في التجديد: فقد سمحنا له بالتعبير عن مرونته الخاصة، ووضعنا الحد الأدنى من الشروط الدقيقة والهادئة حتى يستعيد الكائن الحي حيويته الكاملة. بشكل مستقل، القيام بإصلاح أجهزة الاستقلالية حتى يختفي دورنا كمصلحين[5].»
إذا كان الإصلاح يتألف من تعزيز قدرات الاستقلالية والمرونة، فإنه يتطلب التخلي عن موقع القدرة المطلقة. لا يعني الإصلاح التدخل المستمر لسد الثغرات، بل يعني تعزيز شروط الارتداد من خلال وضع الثقة في حيوية ما يحيط بنا.
[1] مصطلح [réparation] يحمل دلالات متعددة، حيث يمكن ترجمته بـ”الإصلاح”، “التصليح”، “الجبر”، “التعويض” حسب سياقات الاستخدام.
[2] G. Canguilhem, Le normal et le pathologique, Presses universitaires de France, 2013 (12e édition).
[3] حول مسألة «الجبر القضائي” [justice réparatrice] [والمصطلحات المستخدمة في هذا المجال (restauratrice, restaurative) ٍ]، أنظر الدراسة التالية:
Brice Deymié, «La justice restaurative : repenser la peine et le châtiment», Études, n° 4228, juin 2016, pp. 41-52.
[4] “باتيست موريزو” [Baptiste Morizot] (1983-): أستاذ باحث بجامعة إيكس مارسيليا (فرنسا). يركز بحثه بشكل أساسي على العلاقة بين البشر وبقية الكائنات الحية. من بين مؤلفاته: “الدبلوماسيون: العيش مع الذئاب على خريطة أخرى للحي” [Les Diplomates: cohabiter avec les loups sur une autre carte du vivant, 2016]، والمرجع أدناه “ أشعل جمر الحي. جبهة مشتركة “
[5] B. Morizot, Raviver les braises du vivant. Un front commun, Actes Sud, « Domaine du possible », 2020.