نظم منتدى الباحثين الشباب، التابع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، محاضرة تحت عنوان “التحولات الاستراتيجية الدولية وموقع المغرب فيها” أطرها الدكتور فؤاد فرحاوي، وذلك يوم الخميس 24 رمضان 1437 هـ الموافق 30 يونيو 2016 م في الساعة الثالثة بعد الزوال، وذلك بحضور ثلة من الأساتذة، والطلبة الباحثين من مختلف التخصصات.
في مستهل محاضرته، ركز الدكتور فؤاد فرحاوي على ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول : تموقع روسيا في الخريطة الاستراتيجية لدول البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا
المحور الثاني : دور الصين كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية
المحور الثالث : البرازيل القوة الاقتصادية الصاعدة
في تحليله للوقائع التاريخية التي همت تحول السلطة السياسية في روسيا، ذكر الأستاذ المحاضر أن وصول “بوتين ” إلى السلطة عام 2000 أعقبه مباشرة تغيير على المستوى العسكري ،حيث عمل هذا الأخير على تأهيل وتوحيد القوات الروسية ،وكذلك ترتيب عمل القوات البحرية ،وذلك من أجل الانفتاح على العالم ،وإيجاد ممرات بحرية لروسيا خارج البحر الأسود، وخصوصا مدخل “البوسفور ” الذي يعتبر الشريان الحيوي، والبوابة الرئيسية لروسيا على البحر الأبيض المتوسط ،كما عرج الدكتور فرحاوي في سرده للوقائع ،على الأزمة الروسية الأكرانية وما تبعه ذلك من أزمات ،نتيجة ضم روسيا لجزيرة القرم التي كانت قاعدة عسكرية روسية بموجب عقد محدد المدة مع أوكرانيا، والعقوبات التي سلطتها أمريكا، والاتحاد الأوروبي على روسيا نتيجة هذا التعدي، كما عملت روسيا على إيجاد قواعد عسكرية بحرية لها في العديد من مناطق النفوذ ،حيث عملت على توقيع اتفاقية في هذا الإطار مع قبرص في المجال الملاحي، غير أن هذه الاتفاقية باءت بالفشل .كما عمل الأستاذ المحاضر على طرح التساؤل التالي : لماذا تريد روسيا التواجد في البحر الأبيض المتوسط ؟
حيث أكد د. فرحاوي أن من بين أهم الأسباب التي دعت روسيا للتواجد في البحر الأبيض المتوسط هو التنافس المحموم الحاصل بين القوى الكبرى على موقع نفوذها، باعتبارها منطقة مهمة ذات بعد استراتيجي متميز.
ووضح د. فرحاوي تحركات الأساطيل البحرية الروسية، وتمركزها عبر خرائط تحليلية تبين ذلك، كما أكد على عمل القوات البحرية الروسية التي تتوفر على ثلاثة أساطيل بحرية، الأسطول الأول يتمركز في بحر الشمال، الأسطول الثاني يتمركز في البحر الأسود، الأسطول الثالث يتمركز في المحيط الأطلنتي حيث تعمل القوات البحرية الروسية انطلاقا من البحر الأسود، وصولا إلى شمال البحر الأبيض المتوسط، انتهاء بمضيق جبل طارق، كما استطاعت القوات البحرية الروسية سنة 2011 م ضمان قاعدة لوجستية لها بمدينة سبتة المحتلة.
وفي خضم التحولات السياسية والاقتصادية التي يعرفها العالم، أكد د. فرحاوي أن من أهم الأسباب التي جعلت روسيا ترفض التصويت على المقترح الذي تقدمت به فرنسا إلى هيئة الأمم المتحدة حول قرار التمديد لهيئة ” المينورسو”، وعودة المكون المدني إلى الصحراء المغربية، هي فرنسا لأن روسيا تعتبرها المسؤولة عن العقوبات التي اتخذتها في حقها، والتي تتمثل في العقوبات الاقتصادية في مختلف المجالات. كما أن من بين الأسباب الأخرى هي إرضاء حليفتها الجزائر، التي تعتبر السوق الرئيسية لروسيا من ناحية اقتناء الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة.
وقد أكد د. فرحاوي أن روسيا تعتبر فاعلا أساسيا في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، ومنها قضية الصحراء المغربية، حيث تعمل على التواجد في العديد من بؤر التوتر، والنزاع لفرض وجودها كقوة لا يستهان بها في المنطقة مثال ذلك: (سوريا، ليبيا …) كما تعتبر هذه الأخيرة وخصوصا مدينة بنغازي قاعدة روسية محتملة.
المحور الثاني : دور الصين كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية
في المحور الثاني، تطرق الأستاذ المحاضر إلى ذكر التفاعل الحاصل بين المحيط الهندي ودول البحر الأبيض المتوسط ،حيث أكد على الدور الريادي الذي تقوم به الصين ،باعتبارها فاعل اقتصادي مهم بدا نجمه في الظهور مع أوائل التسعينات من القرن الماضي ، حيث اعتبر أن النمو المضطرد الذي تعرفه الصين على جميع الأصعدة جعلها تبحث على المواد الأولية و المصادر الطاقية لتلبية احتياجاتها المتنامية ،و هذا ما حذا بها إلى الخروج من بحر الصين ،و التوسع نحو الشرق وبحر اليابان ،لتلبية هذه الاحتياجات ،كما اعتبر د. فرحاوي على أن المحيط الهندي هو واجهة بحرية تتنافس فيه قوتين عظيمتين ، وهما الصين و الهند ، حيث أكد أن الصين لها قواعد عسكرية مهمة في العديد من الدول الإفريقية و منها: ( إرتيريا ، جيبوتي ، الصومال ، إيتوبيا ، كينيا ) وأن القاعدة المتواجدة في هذه الأخيرة لها استعمالات عسكرية حسب ( خبير أمريكي ).
كما أكد د. فرحاوي على أن القرن 19 م كانت بريطانيا هي القوة البحرية المتحكمة في الممرات البحرية، وفي مناطق النفوذ. غير أن هذه القوة سرعان ما انطفأت في القرن 20 م مع ظهور الولايات المتحدة الامريكية كقوة عسكرية جديدة، غير أن الازمات الاقتصادية التي بدأت تعصف بدول العالم وخصوصا سنة 2008 م بدأت تظهر معها ملامح تكتلات جديدة في مواجهة هذه التحديات ومن هذه الدول بعض دول الاتحاد الأوروبي: كإسبانيا وقبرص واليونان في علاقتها مع الصين، لبناء شراكة اقتصادية متميزة.
المحور الثالث: البرازيل القوة الاقتصادية الصاعدة
اعتبر د. فرحاوي أن البرازيل هي قوة صاعدة بامتياز، وذلك منذ 2005 م حيث بدأت تعرف طفرة اقتصادية كبرى تتمثل في الصناعات الثقيلة، ومنها الصناعة العسكرية وكذلك المبادلات التجارية مع عدد من الدول الإفريقية وخصوصا الناطقة منها باللغة البرتغالية (كالراس الأخضر، أنغولا، ناميبيا…) كما عملت البرازيل على تأسيس اتحاد” بريكس BRICS ” التي تضم كل من البرازيل روسيا الهند الصين وأخيرا جنوب افريقيا.
كما عرف التهافت الصيني البرازيلي، صراعا محموما حول التواجد بقوة في دول غرب افريقيا، وخصوصا ناميبيا التي تعتبر معقلا أساسيا ورئيسيا للقوات العسكرية البرازيلية، باعتبارها المزود الرئيسي للقوات الناميبية بالأسلحة، والتدريب الميداني.
وفي الأخير اعتبر الأستاذ المحاضر، أن هذه التطورات الحاصلة في الخريطة السياسية والاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، وفي الشرق الأوسط وخصوصا اليمن هي في الحقيقة بداية تشكل تكتلات غير تقليدية في المنطقة وعلى المغرب أن يقرأ هذه التحولات المهمة، ويتعامل معها بذكاء كبير، خصوصا أن المغرب يعتبر حليفا للقوات العربية المشتركة في المنطقة.
أعد التقرير ذ.عبد الحكيم بن سوسان
عضو منتدى الباحثين الشباب بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة