مقومات البناء الحضاري لدى الأمة الإسلامية

 تأتي هذه المحاضرة تتويجا لمجموعة من الدروس الجامعية التي ألقيتها على طلبتي بماستر (التواصل والتنمية) بكلية الآداب بجامعة محمد الأول، على امتداد الموسمين الجامعيين: (2009-2010) و(2010-2011)؛ وذلك من خلال مادتي: (مقومات البناء الحضاري) و(النظريات التواصلية).   

 لقد تنامى في العقود الأخيرة من القرن الماضي، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة البناء الحضاري الشامل للإنسان. وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم للتنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها؛ كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة. وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان الذي جعله الله خليفة في أرضه؛ ليعمرها بالخير والصلاح. ومن هنا ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان. وهذا هو الذي فرض كثرة تداول مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره، وخاصة منذ التسعينات، كما قام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية بدور بارز في نشر وترسيخ هذا المصطلح.

  إن الإنسان في البلاد المتخلفة عموماً يعاني من فقدان الاهتمام, والمقصود بالاهتمام هنا هو الشعور بالمسؤولية اتجاه نفسه أولاً واتجاه مجتمعه وأمته ثانياً. وانطلاقا من هذه القناعة، فإن أي إقلاع حضاري منشود، وأي تقدم مرتجى يجب أن يبدأ من الإنسان؛ وذلك عن طريق إثارة اهتمامه بنفسه، وزرع الثقة فيه، وتعريفه بما يملك من إمكانات، ورغبته بتطويرها وتنميتها. وهذا هو الذي يحيلنا على البحث في بعض خصوصيات البناء الحضاري للأمة الإسلامية من خلال اهم عنصر في هذا البناء، وهو الإنسان. فنحن، والحال هذه، نستبدل مصطلح (التنمية) الذي صار اكثر تداولا، باصطلاح (البناء)؛ ولعل هذه الرؤية أسلم من الأولى؛ إذ تشمل مختلف المراحل العمرية للإنسان، في الوقت الذي تركز فيه الرؤية الأولى على الإنسان وقد بلغ مرحلة الشباب.

 وقد رأينا أن الحديث عن مقومات البناء الحضاري للإنسان المسلم هو أنسب مجال لإعداد هذا الكائن البشري الذي فضله الله سبحانه وتعالى على سائر مخلوقاته وحمَّلَه أمانة إعمار الأرض والإحسان فيها ولسائر المخلوقات المتواجدة على بسيطتها. فجاء الإنسان في هذه المحاضرة محورا للبناء الحضاري، وهو في حاجة إلى مقومات أخرى؛ منها ما هو روحي رباني، ومنها ما هو مادي بشري، ومنها ما يتصل بالمعارف والأفكار، ومنها ما يتصل بالقيم والمبادئ، ومنها ما يدخل في دائرة المناهج والآليات.

 ومن أهم هذه المقومات المواكبة لحياة الإنسان في سائر مراحله العمرية:

1.   المقوم التكويني، ويشمل ثلاثة مكونات هي:

  •     المكون التربوي القيمي.
  •     المكون الثقافي.
  •     المكون الإعلامي.

2.    المقوم العلائقي، وينطوي على ثلاثة مكونات هي:

  •    المكون الجغرافي.
  •    المكون التداولي.
  •    المكون الإبداعي.

3.    المقوم التواصلي، ويشمل:

  •    تواصل الذات مع الذات.
  •    تواصل الذات مع المحيط.
  •    تواصل الذات مع الخالق.

4.   المقوم المرجعي، ويتألف من المكونات التالية:

  •    المكون الشرعي (القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة).
  •    المكون التاريخي.
  •    المكون التراثي.

                                                                                            وجدة؛ في: 04 مارس 2011

                                                                   الأستاذ الدكتور: مصطفى سلوي