نظم مركز الدراسات والبحوث الإننسانية والاجتماعية بوجدة، حلقة علمية في موضوع (كتاب “مدن المعرفة”: قراءة في المتن والآفاق والجذور) ، من تأطير الأستاذ هشام المكي (أستاذ باحث في الإعلام والتواصل) وتسيير الأستاذ حسن مصباح، مساء الأربعاء 04 أبريل 2012. وقد تابع هذه الحلقة نخبة من الأساتذة الذين ساهموا في إثراء النقاش بتعقيباتهم وتساؤلاتهم.
في مستهل مداخلته،أعطى الباحث هشام المكي نبذة عن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وفضلها في إشاعة المعرفة، كما قدم معلومات تخص كتاب (مدن المعرفة: المداخل والخبرات والرؤى) (Knowledge Cities: Approaches, Experiences, and Perspectives)، وهو أطروحة تتبنى عدداً من المدن بمفهوم الاقتصاد المعرفي، ويقع الكتاب في ثلاثة أبواب تتضمن عشرين فصلا، شارك في تأليفها سبعة وعشرون مؤلفا متخصصا في مجال مدن المعرفة والمجالات ذات الصلة، وعمل على تحرير الكتاب البروفيسور فرانشيسكو خافيير كاريللو وترجمه إلى العربية خالد علي يوسف وأشرف على مراجعته عمرو عبد الرحمن طيبة، ومحمد سيد محمد مرسي.
بعد ذلك تحدث الباحث هشام المكي عن الصعوبات المنهجية التي صادفته خلال إعداده لتلخيص الكتاب وقراءته، ليختار في الأخير منهجية اعتمد فيها على مقاربة مفهوم (مدن المعرفة) انطلاقا من قراءات متعددة المستويات والمداخل.
شرع الباحث في تقديم عرضه مستعينا بالديابوراما، حيث عرض محتويات الكتاب المتمثلة في:
* الباب الأول، وتضمن ستة مداخل: (نموذج ناشئ لمدن المعرفة الناجحة: الملامح الأساسية
إطار مقارنة لمدن المعرفة – مراكز البحث الدولية: دراسة تحليلية بالاعتماد على النشر كمؤشر – تصنيفات رأس المال الحضري – مدينة المعرفة والمجتمع: مبادرة تنمية رأس المال الفكري – تنفيذ نظام – رأسمالي لمدينة المعرفة).
* الباب الثاني، حمل عنوان “الخبرات”، وهي مقاربات لثمانية نماذج لمدن المعرفة (سنغافورة، بلباو، حولون، كريستيانا، ريجيكا، مانشستر، فينيكس، ونتيري).
* الباب الثالث، حمل عنوان “الرؤى” وقد تضمن الفصول التالية:
– مامدى أهمية الموقع الحضري؟ مقارنة بين ثلاث حدائق علوم في الصين
– التجمع الحضري لمراكز الخدمات الأوروبية ودور السياسات الإقليمية
– نشر المعرفة والابتكار في الأقاليم الحضرية من منظور تطوري
– مواطنو المعرفة: ملف المهارة
– مدينة المعرفة كمجموعة من اللحظات المعرفية الإنسانية
– إعادة بناء الخبرة الحضرية
في المحور الأول الذي جاء تحت عنوان “عرض الكتاب”، وهو قراءة في المتن، تمحورت حول ثلاثة عناوين، حيث تطرق الباحث أولا، إلى تعاريف وملامح عامة حول مدينة المعرفة وعلاقتها بمجتمع المعرفة الذي يستغل بشكل كبير تقنيات المعلومات والاتصالات، ويزيد من مهارات ومعرفة سكانه، لتحقيق التنمية الفردية والمجتمعية، من خلال الموقع الحضري ويوميات العيش داخل المدينة ونشر المعرفة والخبرة الحضرية. أما بخصوص مدن المعرفة فيرى الباحث أن هناك أكثر من تعريف، وفي هذا الصدد اقترح تعريف(كاريللو) الذي وصفها بـ “مستقر دائم، يتمتع بدرجة عالية نسبيا في مجال قيام المواطنين بعمل محاولات منظمة، لتطوير نظامها الرأسمالي، بطريقة متزنة ومستدامة”. بينما يصفها(إدفنسون) بالمدينة التي صممت بقصد تشجيع رعاية المعرفة. أما مدينة المعرفة لدى (ميكادو)، فهي التي تبرز في الأساس بفضل ثروتها المعلوماتية المكتسبة، التي تتمحور بصورة أساسية حول مؤساستها التعليمية ومراكزها البحثية وقطاع الأعمال والمبدعين.
ثم انتقل إلى الحديث عن الفوائد الأساسية لمدينة المعرفة على المستوى المحلي، وعن ست مدن ناجحة ذات قواسم مشتركة في مجالي التنمية والتشغيل(برشلونة، ستوكهولم، ميونخ، مونتريال، دبلن، ديلفت).
العوان الثاني:”تصنيفات رأس المال الحضري”، فقد أفرد له الباحث قسما مهما من المداخلة، حيث القيمة المعرفية أو “رأس المال الفكري” (IC) في أداء الأعمال، يعتبرمن أهم المحركات التي أدت إلى ظهور إدارة المعرفة، وقد عرض جملة من الرؤى والتشخيصات التي قاربت تطوير نظم القيمة المعرفية والعناصر الاجتماعية والمؤسسية والشخصية المؤسسة لمجتمع المعرفة والأحداث المعرفية، والأجيال الثلاثة وأوجه اختلافها في إدارتها للمعرفة وأوجه الاختلاف لأهم نظم الإنتاج عبر التاريخ.
العنوان الثالث:”مواطنو المعرفة: ملف المهارة”، استهله بمقولة لكاريللويقول فيها: “يمكن اشتقاق العديد من الاتجاهات المتعلقة بمهارات مواطن المعرفة من مبادئ مدن المعرفة ذاتها” وتعريف هذا الأخير لنظام رأس المال (رأس المال الفوقي، رأس المال البشري، ورأسمال الأدوات) انطلاقا من تصنيف يقوم على الوسائل التي تدعم الأداء العام للفرد، حيث “اللحظة المعرفية هي خبرة إنسانية تلقائية أو مخطط لها، وفيها يتم اكتشاف وخلق ودعم وتبادل وتحويل المعرفة إلى شكل جديد”.
المحور الثاني جاء تحت عنوان: “آفاق”، وقد عاد فيه الباحث مجددا إلى الحديث عن الفوائد الأساسية لمدينة المعرفة على المستوى المحلي، بوصف هذه المدينة ذات تصميم حضري متميز الغاية منه “تشجيع وازدهار المعرفة الجماعية، كإمكانات لتشكيل آليات خلق القيمة الفعالة والمستدامة القادرة على صنع الرخاء”.
المحور الثالث جاء تحت عنوان: “الجذور”، واستهله بمقولة لميشيل مافيزولي يعتبر فيها أن قدرة الإنسان على الانتباه إلى “علامات الزمن”، وقدرته على تأويل ما يشكل الحياة اليومية، يمنحه القدرة على إدراك قيمة الأسلوب الجديد للحياة الذي ينمو خلسة في جلدة الجسم الاجتماعي. كما اعتمد الباحث مدخلين للتحليل (اقتصاد الشبكات – الفكر الاتصالي / يوتوبيا الاتصال)، حيث سرد جملة من التحليلات والمقاربات التي وردت في الكتاب، والتي كادت تجمع أن مدينة المعرفة مدينة شفافة حيث ” أن السياسة في مجتمع الاتصال، من منظور ن. كومنينوز، لن تقوم على الإقصاء، ولن تحتاج إلى الدخول في صراعات، لأن تحرير المجتمع لا يحتاج إلى أكثر من تحرير الاتصال. وعلى هذا النحو، ليس لهاته السياسة عدو بشري: إذ عدوها الوحيد هو التشويش الذي يعيق حركية العمليات الاتصالية. وهكذا، فإن”القيام بالاتصال بأنشط شكل ممكن، يكفل تحرر المجتمع، أو على الأقل يمنع المجتمع من الغوص المباشر في غرق أنتروبي واسع”. أو مثلما يرى فاينر: “أن الإنسان التواصلي (Homo Communicant) “كائن من دون داخل ومن دون جسد، يعيش في مجتمع دون أسرار، كائن متوجه بكليته نحو الاجتماعي، وهو لا يوجد إلا عبر المعلومة والتبادل، في مجتمع أصبح شفافا بفضل آلات الاتصال”.
في الخاتمة، قارب الباحث هشام المكي فصول الأبواب الثلاثة من خلال مقتطفات من الكتاب، وأنهى مداخلته بأمنيات ثلاث: الأولى أن تعمل الجامعة بالرأس المال الفكري، والثانية أن يعيد المركز بناء هيكلته وفق الرأس المال الفكري، والثالثة أن تحظى مدينة وجدة بتصميم يجعل منها مدينة معرفة.