نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة يوما دراسيا في موضوع: “القضية الفلسطينية في ظل التحولات بالمنطقة العربية“، وذلك يوم السبت 07 يناير 2012 .
اليوم الدراسي الذي افتتحه رئيس المركز الدكتور سمير بودينار، حضره نخبة من المثقفين والأساتذة الجامعيين والسياسيين والطلبة الباحثين الذين ساهموا بأسئلتهم وملاحظاتهم في إثراء النقاش. وقدم كلمة اللجنة المنظمة الأستاذ لؤي عبد الفتاح من فريق الدراسات الجيوسياسية بالمركز، تحدث فيها عن التحولات التي شهدها العالم منذ أحداث 11 شتنبر 2001 إلى الثورات العربية 2011، وتداعياتها على الأنظمة العربية والمواقف السياسية وردود الفعل بين داعم ومناهض ومتحفظ ومترقب، وعلاقة ذلك بالقضية الفلسطينية. وفي نفس السياق جاءت كلمة المركز التي قدمها الدكتور خالد شيات منسق وحدة الدراسات المغاربية.
الجلسة العلمية الأولى التي ترأستها الأستاذة أمينة هكو، أطر مداخلتها الأولى الدكتورواصف منصور – وزير مفوض سابق بسفارة دولة فلسطين بالرباط في موضوع “فلسطين و الربيع العربي“. وانطلاقا من مركزية القضية الفلسطينية في الحياة العربية، قدم عرضا قارب فيه أهم المحطات التاريخية التي أسست للمأساة الفلسطينية، وقد تحدث عن المشروع التآمري الذي تضمنته اتفاقية سايكس بيكو السرية سنة 1916، ووعد بلفور القاضي بمنح أرض لليهود، وقال أن أول رد فعل ضد هذا المخطط، كان من قبل عزالدين القسام الذي قاد ثورة ضد المحتل غير أنه لم يجد الدعم من محيطه العربي كما تحدث عن النكبة العربية سنة 1948، تاريخ الإعلان عن نشوء الكيان الصهيوني الإسرائيلي وتدميره لعدد من القرى الفلسطينية ثم سنة 1967 تاريخ النكسة وانتصار إسرائيل واستيلائها على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان كما تحدث عن المحطات التي تلت وما صاحبها من خيانات وانقسامات عربية. وحول علاقة المواطن العربي بالقضية الفلسطينية، تحدث الدكتور واصف عن جدلية هذه العلاقة، باعتبار أن فلسطين كانت قضية الإنسان العربي ومتنفسه أيضا، في الأدب والفكر والنضال السياسي والأناشيد الثورية، ولجوء عدد من المثقفين العرب إلى المراكز والمؤسسات الفلسطينية.فبالقدر الذي كانت فلسطين تتغذى من الدعم الشعبي والنضالي العربي، كان الإنسان العربي – لاسيما المثقف والمناضل السياسي- يستمد قوته وشرعيته من القضية الفلسطينية، ليخلص إلى القول أن الثورات العربية ستصب في مصلحة القضية.
المداخلة الثانية أطرها الباحث الدكتور محمد ضريف، تحت عنوان: “تداعيات الربيع العربي على القضية الفلسطينية“، وقد استهل حديثه بالإشارة إلى التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة العربية والمعارضة على حد سواء، حيث ظلت الأنظمة تتاجر بهذه القضية لإضفاء الشرعية على سلطتها، غير أنه، يقول الباحث، وفي خضم الثورات العربية، انكشف المستور وتبين أن تلك الأنظمة كانت تعمل لمصلحة الاستقرار الإسرائيلي، وهذا ما عبرت عنه هذه الأنظمة، من خلال تصريحات أكدت أنها ضمان الاستقرار الإسرائيلي. وفي صدد حديثه عن الربيع الربيعي اقترح ثلاثة مداخل وثلاثة أسئلة لفهم مجريات الأحداث.
– المدخل السياسي: يتمثل في مأزق الدولة الوطنية التي راهنت منظومتها الاستبدادية من أجل الاستمرار على آليتين (التنمية الاقتصادية والبشرية والتلويح بالفزاعة الإسلامية)، باعتبار أن الأنظمة أقصت الديمقراطية وكرست الاستبداد بالرهان على هاتين الآليتين اللتين استنفدتهما إلى حد الفشل.
– المدخل الاجتماعي: من خلال تشجيع هذه الأنظمة لاقتصاد الريع من أجل إسكات الطبقة الوسطى التي ظلت تعاني من الإقصاء السياسي رغم تمتعها بحياة مريحة، وهذه الطبقة ظلت تشكل مصدرا أساسيا للحركات الإسلامية.
– المدخل الثقافي: يتجلى في التراكم الثقافي الذي تحقق بفضل تكنلوجيا الاتصال التي ساهمت في انتشار الفضائيات العربية، والتي رغم سلبيتها ساهمت في تعرية الأوضاع العربية.
وفي هذا السياق، طرح الباحث ثلاث تساؤلات:
– من أطر هذه الثورات؟
– ما هي العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج؟
– ما مصير هذه الثورات؟ وما هو البديل؟
وبعد أن تحدث عن نماذج التغيير في البلدان العربية، صنفها إلى تغيير جذري (ليبيا)، وسلمي نسبيا (تونس ومصر)، والتغيير في ظل الاستمرار(المغرب والجزائر)؛ تطرق إلى طبيعة بعض الأنظمة وقدرتها على بناء التسويات مع الغرب وبروز الإسلاميين المعتدلين، ليخلص إلى القول بانزياح القضية الفلسطينية من قضية مركزية في الشأن السياسي العربي إلى قضية ثانوية.
المداخلة الثالثة، أطرها الدكتور مصطفى المرابط – مدير مركز الجزيرة للدراسات سابقا- تحت عنوان: “القضية الفلسطينية و التحولات الاستراتيجية الراهنة”، وقد ارتكز على ثلاثة أبعاد:
– البعد الظرفي الذي تمليه الأحداث الراهنة ويقتصر على قراءة ما يطفو على السطح.
– البعد الجيوسياسي الاستراتيجي ذو الطبيعة التركيبية ويسعى إلى قراءة تفكيكية.
– البعد التاريخي الحضاري ويطمح إلى تتبع الجذور والكشف عن النسق القيمي المسؤول عما يحدث.
وانطلاقا من هذه الأبعاد تحدث عن القضية الفلسطينية في سياقاتها المتعددة، من سقوط الخلافة العثمانية إلى التحولات الراهنة، مؤكدا على ضرورة استحضار البعد التاريخي في التحليل منبها إلى خطورة تسطيح الوعي وتحجيم الذاكرة، ومركزا على أهمية بناء المعطيات وتركيبها واختيار زوايا النظر. وهنا طرح الباحث طائفة من الأسئلة: لماذا القضية الفلسطينية مركزية بهذا القدر؟ ولماذا تم توظيفها بهذا الشكل؟ وهل كانت لاعتبارت سياسية؟ أم أيديولوجية؟ أم استراتيجية؟ وما أسباب هذا الحضور المكثف للقضية؟ ليخلص إلى القول أن القضية الفلسطينية ستبقى حاضرة في خضم الحراك العربي وقدرته على فهم الاستراتيجيات التي خططت من إجل إبقاء المنطقة العربية في حالة ضعف وهشاشة من خلال مخطط التجزئة الجغرافية والسياسية وزرع الكيان الإسرائيلي.